حوار الدكتور مجدي مع جريدة المدينة

مشروعات «إسكان مكة» محدودة والمطروح يعادل نصف المنزوع

أكد عضو مجلس الشورى السابق ورئيس مجلس إدارة شركة مكيون للتطوير العقاري الدكتور مجدي محمد الحريري أن حل أزمة الإسكان يتطلب تضافرًا للجهود بين كل الإدارات الحكومية والسماح بتطبيق نظام البيع على الخريطة وتقديم تسهيلات للشركة العقارية المطورة 

وبين أن الوحدات السكنية في مكة المكرمة على سبيل المثال لن تبلغ نصف الوحدات المزالة في المشروعات الكبرى بمكة المكرمة، وبالتالي فإن كل هذه المشروعات محدودة ولا تفي بالاحتياج العاجل، وتتطلب مجهودات أكثر من كافة الجهات المعنية.
وبين حريري في حديث لـ «المدينة» أن تحميل تكاليف مشروعات البنية التحتية وخصوصًا خدمات الكهرباء والماء والصرف الصحي على المطور العقاري،أدى إلى العزوف عن الاستثمار في هذا المجال لأن المطور بدوره سوف يحملها على المواطن فيرتفع سعر السكن ويصبح غير مجدٍ اقتصاديًا.فالي الحديث:

* ما هي أهم الأسباب التي أدت إلى أزمة الإسكان في العاصمة المقدسة؟
** من وجهة نظري هناك ثلاثة أسباب أدت إلى أزمة الإسكان بالعاصمة المقدسة أولها: أن العاصمة المقدسة قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم ويفد لها سنويًا أكثر من عشرة ملايين ما بين حاج ومعتمر وهذا العدد الكبير أدى إلى زيادة الإقبال على السكن، وثانيها: أن العاصمة المقدسة شهدت في السنوات الخمس الماضية إنفاقا كبيرًا على المشروعات التطويرية في المنطقة المركزية ومن ذلك مشروع توسعة المسجد الحرام والساحات الشمالية والطرق الدائرية الأربعة والمشروعات التكميلية الملحقة بها وهذه المشروعات أدت لنزع ملكية أكثر من عشرة آلاف عقار، الأمر الذي أدى إلى زيادة الإقبال على السكن ورفع الأسعار، وثالثها: هو أن الخطة الخمسية للدولة أكدت على احتياج العاصمة المقدسة لخمسين ألف وحدة سكنية وكل هذه العوامل أدت إلى أزمة الإسكان وارتفاع الإيجارات بشكل كبير ألحق ضررًا بالغًا بذوي الدخل المحدود.
*ما أهم الحلول من وجهة نظرك لهذه الأزمة؟
**أهم الحلول تكمن في تضافر وتكامل الجهود بين الدولة والقطاع الخاص والقطاع الخيري في تأمين السكن، والسير وفق إستراتيجية مدروسة تحقق التوازن بين العرض والطلب، وعدم التوسع في إزالة المباني دون التخطيط لإيجاد البدائل التي تسد الفجوة التي ستتركها. 
فمثلًا أمانة العاصمة المقدسة ممثلة في شركة البلد الأمين اتخذت بعض الخطوات للمساهمة في الحد من هذه الأزمة، فقبل سنتين طرحت الأمانة مشروع الإسكان الميسر، وهو نموذج متميز للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص لحل أزمة السكن، والذي يشتمل على 3500 وحدة منها 2300 وحدة للإسكان المدعوم و1200 وحدة للإسكان المطور تقريبًا. إضافة إلى مشروع الإسكان البديل الذي طرحته الأمانة مؤخرًا والذي سيقام على طريق مكة ـ الليث السريع ضمن مشروع بوابة مكة على مساحة مليون وستمائة ألف متر مربع ويشتمل على خمسة آلاف وحدة سكنية إضافة إلى ألف فيلا، ولكن كل هذه الوحدات بعد اكتمالها بعد عدة سنوات لن تبلغ نصف الوحدات المزالة في المشروعات الكبرى بمكة المكرمة، وبالتالي فإن كل هذه المشروعات محدودة ولا تفي بالاحتياج العاجل، وتتطلب مجهودات أكثر من كافة الجهات المعنية. 
* لماذا يحجم المطورون العقاريون عن تطوير وبناء مشروعات سكنية؟
**ثمة أسباب عديدة للإحجام أولها عدم وجود دعم من الدولة لمثل هذه المشروعات. فمثلًا يتم تحميل تكاليف مشروعات البنية التحتية وخصوصًا خدمات الكهرباء والماء والصرف الصحي على المطور العقاري، وهو بدوره سوف يحملها على المواطن فيرتفع سعر السكن ويصبح غير مجدٍ اقتصاديًا. فمثلًا عند عمل مخطط عقاري شامل فإن شركة الكهرباء تطلب بالانتظار حتى تدرج هذا المشروع ضمن ميزانيتها وهذا يستغرق سنوات طويلة جدًا، أو تطالب المطور ببناء محطة كهرباء تزيد تكلفتها على مائتين وأربعين مليون ريال لمشروع مثل الإسكان الميسر بواحة مكة، ولو تم تحميل السعر على المواطن لارتفعت أسعار الإسكان الميسر كثيرًا، وكذا مشروع الإسكان البديل تطالب شركة البلد الأمين الشركة المطورة بتوفير خدمات الكهرباء وهذا يحتاج لمحطة كهرباء تزيد تكلفتها على أربعمائة مليون ريال، وهكذا!، ومثل هذه العوائق لا تحفز المطورين على الاستثمار في هذا المجال ولذلك تجد العديد من المطورين العقاريين يتجهون إلى شراء أراضٍ وتخطيطها ثم بيعها دون بناء، فهذا المجال أكثر ربحية وأقل كلفة. 
* هل ترى ان الاستراتيجية التى اقرتها وزارة الإسكان ستحل الأزمة؟ 
**الخطة الإستراتيجية من الناحية العلمية والنظرية خطة جيدة جدا، ولكن يبقى التطبيق، فإذا طبقت الخطة كما رسم لها علميًا فنتائجها ستكون مبهرة. فالخطة أعدت بعد دراسات وورش عمل شارك فيها عدد كبير من الخبراء، ولكن لا بد من أن تعيد وزارة الإسكان النظر في نظام الأرض والقرض وأن تكون هناك آلية جديدة تعالج أزمة الإسكان جذريًا ليتسلم المواطن منتجًا نهائيا. فمثلا في أمريكا متوسط مساحة السكن للفرد في حدود 120 مترًا وفي أوروبا ثمانين مترًا ولدينا أقل مساحة للحصول على القرض من صندوق التنمية العقاري البالغ خمسمائة ألف 240 متر2 ، ولذلك تجد بعض المواطنين يبنون على كامل هذه المساحة رغم عدم حاجتهم لها ولكنهم مضطرون لذلك للحصول على القرض. 
*لماذا لا تقوم البنوك أو صندوق التنمية العقاري بتقديم قروض للمواطنين لشراء وحدات سكنية؟
**هذا الموضوع يحتاج لخطوات إجرائية من وزارة الإسكان ووزارة العدل ووزارة الشؤون البلدية والقروية وصندوق التنمية العقارية، وكما تعلمون فإن نظام البيع على الخريطة ونظام الرهن العقاري تم إقرارهما، ولكن ما زال الصندوق وما زالت البنوك تطالب بالصك المفروز لكل وحدة سكنية على حدة حتى تقوم برهن الصك ومن ثم منح المواطن القرض، وهذا الأمر أدى إلى حرمان شريحة كبيرة من المواطنين من الحصول على السكن ولم يعد هؤلاء بمقدورهم الاستفادة من الوحدات السكنية التي تطرحها شركات التطوير العقاري بنظام البيع على الخارطة.

تطوير المشروعات
*هل لديكم مشروعات تطويرية أخرى بخلاف الإسكان الميسر؟
**الشركة الآن تعمل على إنشاء أبراج التلال وهي عبارة عن أربعة أبراج سكنية مقامة على مساحة سبعة آلاف متر مربع وتشتمل على تسعمائة وحدة سكنية تزيد تكلفتها على ثلاثمائة مليون ريال وهذا المشروع ستكون 30% من وحداته السكنية أشبه بالسكن المؤقت وهذا المشروع صمم ليكون بمثابة وحدات سكنية فندقية وما تزال الشركة تسعى لإقامة العديد من المشروعات الأخرى وفق خطط إستراتيجية تلبي احتياجات الطلب على الإسكان بمكة المكرمة. 
*هل يوجد حصر علمي ودقيق للمناطق العشوائية بمكة المكرمة؟ 
**وصل عدد المناطق العشوائية بمكة المكرمة خمسة وستين منطقة بإجمالي مساحة قدرها 6284 هكتار تقع منها مساحة 4704هكتار داخل النطاق العمراني الذي يبلغ إجمالي مساحته 40000 هكتار ويوجد حصر بأسماء المناطق العشوائية ومساحة كل منطقة مع العلم أن الهكتار يساوي عشرة آلاف متر مربع.
* ما أبرز مشكلات عشوائيات مكة المكرمة؟ 
** بعض العشوائيات تعتبر أماكن تتجمع فيها فئات خارجة عن أنظمة الإقامة والعمل، فضلًا عن كثافتها السكانية العالية، وانتشار الفقر والبطالة بين سكانها، ولا توجد لدى الدولة خطة واضحة ومتكاملة أو برامج تنموية للاستفادة من القوى البشرية الموجودة في العشوائيات، وبسبب غياب البنية التحتية والخدمات فهي تعاني من انتشار بعض الأمراض المرتبطة بها. 
* هل هناك فرص متاحة في التعامل مع قضية العشوائيات؟ 
** توجد العديد من الفرص لعل من أهمها وجود طبقة كبيرة من العمال المهرة وأصحاب الحرف، فضلًا عن وجود عناصر بشرية وطاقة للعمل غير مدربة يمكن تدريبها والاستفادة منها، كما تتمتع بعض المناطق العشوائية بمواقع إستراتيجية ذات جدوى استثمارية عالية من حيث كونها بيئة جبلية صحية صالحة للإقامة الدائمة أو المؤقتة أو من حيث كونها مواقع ذات إطلالة رائعة ومتميزة على الحرم والدائري الثالث. 
* ما الطريقة المثلى في التعامل مع قضية العشوائيات؟ 
** إن التعامل مع العشوائيات غالبا ما يتم إما بالتحسين والتطوير أو بالإزالة وإعادة البناء وهذه الطريقة الأخيرة قد فشلت عالميا في تحقيق أهدافها حيث إن عمليات الإزالة لا تحدث إلا في الأراضي ذات القيمة الجاذبة للاستثمار و80% من المناطق العشوائية بمكة المكرمة لا تتوفر فيها هذه الصفة، وبالتالي فهي غير محفزة، وهنا لابد أن تتدخل الدولة من خلال التطوير والتحسين، على أن تكون البداية هي توفير السكن البديل لسد العجز قبل الإزالة، ثم يتبعها باقي الإجراءات مثل معالجة وتصحيح أوضاع الملكية، وإعطاء حق الملكية لساكني العشوائيات لتحفيزهم على التطوير في منازلهم والمساحات المحيطة بهم، وتنظيم البيئة العمرانية وفتح الشوارع والساحات إلي جانب رفع مستوى التطوير من خلال إيجاد الفراغات المناسبة وإيصال الخدمات والمرافق العامة. 
وهناك مطالبة بتوحيد الجهة التي تتعامل مع العشوائيات في أمانة العاصمة المقدسة حيث توجد ثلاث جهات تتبعثر بينها الجهود وهي الإدارة العامة للأراضي وتخطيط المدينة ووكالة الأمانة للمشروعات والتطوير ويجب توحيد الجهات في جهة واحدة تشرف على موضوع العشوائيات. 
كما أطلب وأرجو من وزير الشؤون البلدية والقروية ولخصوصية الوضع السكاني بمكة المكرمة إيجاد إدارة متخصصة لعلاج العشوائيات بأمانة العاصمة المقدسة. 
* هل الإزالة هي الحل الأمثل للتعامل مع 40 منطقة عشوائية؟ 
**إن خيار التطوير سوف يوفر مئات المليارات على خزينة الدولة، وقد رأينا إلى أين وصلنا مع خيار الإزالة والذي تسبب في حدوث خلل كبير في معادلة الإسكان، فضلًا عن تضخم أسعار الأراضي والمساكن، فقد ارتفعت الأسعار بشكل اكبر من قيمتها الحقيقية وذلك نتيجة عمليات الهدم والإزالة الضخمة التي تزامنت في وقت واحد بمكة المكرمة و بالتالي قلَّ المعروض مقابل الطلب مع عدم وجود البديل أمام الناس في المنظور القريب؟! كما أنه وفي حالة الإصرار على التعامل مع قضية العشوائيات بالإزالة فهذا من شأنه فضلا عن كلفتها الباهظة سوف يؤدي لخلق عشوائيات جديدة بسبب النزوح المستمر، وهكذا تستمر العملية وندخل في حلقة مفرغة

تواصل معنا